" لن تتوقف جهودنا ، وسعينا في تنصير المسلمين ، حتى يرتفع الصليب في
سماء مكة، ويقام قدّاس الأحد في المدينة " [المنصّر الأمريكي
روبرت ماكس]
يوصف الاستعمار الجديد بأنـَّه هيمنة الأقوى على
الأضعف ، سياسياً ، وإقتصادياً ، وثقافياً ، في إطار الإعتراف (الكاذب) باستقلال
الأضعف ـ وبهذا لاحاجة إلى إجتياح ونصب حاكم عسكري ـ وتلك الهيمنـة تكون بهذه
الخطوات شديدة السريّة ـ مع أنها أضحت علنا نراها في (you tube) !!:
أولا : منح الأقوى للأضعف دميـة (لطيفة) ، (جميلة) ، معها علم ،
وكرسيّ في الأمم المتحدة ـ تلك الكراسي التي أطلق عليه القذافي ديكورات وهو أحدها !
ـ وتُسمى ( دولة مستقلة ذات سيادة ) ، وهي في الحقيقة ليست دولة حتى بالمعنى العصري
، بل دوائر تخـدم مصالح الدائرة الضيقة على رأس هرم السلطة.
ثم إنَّ
هذا الأقوى هو الذي يحدّد حدود هذا (الكرسيّ) ، ونفوذه ، وقدراته الداخلية ،
وقراراته الإستراتيجية ، ويدع للأضعف بعض القرارات الداخلية ليتسلّى بها على شعبه ،
في ممارسة غريزتيْ الإستبداد المطلق ، والغطرسة على الشعب ، الذيْن هما ميزة (الجين
العربي) !!
وهنا ثمـّة توصية من الأقوى لرأس الهرم في (الأضعف ) أن
يختار ـ ليمارس دوره على وجه مريح ـ بين خيارين ، وذلك حسب البيئة :
أحدهما : يعطي هذا الأخير لشعبه دمية مصغرة إسمها (ديمظراطية) ،
يلهـون بها في ملعب صغير يناسبهم ، حتى لايحُدثوا أيَّ تعكير على أهداف الأقوى ، مع
ضمان له بأنَّه : عندما تموت ، وتهلك ، بإذن الله ، سيُورَّث الحكمُ ، والشعبُ ،
ذكوراً ، وإناثا ، لولدك ثم ولده ، ثم ولد ولده ، ما بقي فيهم نسل ملعون ،
وأمّا الشعب فسيبقون يلعبون في دميتهم (الديمظراطية)، وهم يمارسون حرية الرأي
!
الثاني : يستعمـل دمية أخـرى ( إسلاعلمانية !) وهي ـ بقدرة قادر ـ
استطاعت بإسم الشرع ، أن تفصل الفتوى الشرعية ، عن كلِّ شيء له علاقة بالقصر ، من
الأطفال الرضّع ، إلى الشيوخ الغير ركَّع ، وعن سياسته الداخلية والخارجيـة !
وتُسمى هذه الدمية بعدة أسماء : ( ولـيُّ الأمر أدرى بالمصلحة ) ، ( ولعلّه لايدري
عن التفاصيل ) ، ( وعلينا أن نصبـر ولو جلد ظهورنا ، وأخذ أموالنا ، وخرب ديننا ،
ونزع ثيابنا ، وعوراتنا ، وعورات بناتنـا ، وهتك عرضنا .. إلخ ) !
وقد
جرى هذا الفصـل العجيـب ـ بين الدين والقصر وسياسته ـ في أهدأ ، وأسلس ثورة صامـتة
، في التاريخ ، حقّقت ما يشبه (الثورة الفرنسية التي فصلت الكنيسة عن الدولة ) ،
والغريب أنها جمعت بين صرامة التشدّد الديني في الفتاوى للشعب ، والفصل الكنسي
التام بالنسبة للقصـر ، والسياسة !
لكنَّهـا تميزت عن الكنيسة
أنها جعلت هذا الفصل بإسم الدين أيضا ، فهذه براعة إختراع مدهشة ، وإبداع غير
مسـبوق !!
ثـم بعدما يختار الأضعف أحد الخيارين السابقين ، يستكمل
الخطوات السرية :
ثانيا : عقد إتفاقيات عسكرية ثنائية يقـول
فيها الأقوى للأضعف ، ما معنـاه الحقيقي : ( إننا نريد أن نهيمن على بلادكم ، ونقيم
فيها قواعد عسكرية ، نستخدمها لأغراض عسكرية ، وإستخباراتية ، لأطماعنا الإقليمية ،
والعالمية ، ولو أضـرَّ ذلك بمصالح شعوبكـم ، وحضارتكم ، ولكن هذا لايمكننا إلاَّ
بالتوقيع على أنموذج يسمى إتفاقية ثنائية ، وحقيقته استعـلاء (السيد) علـى (المسود)
، فوقِّع قبل أن نهرس رأسك !).
ثالثا : فتح البلاد للغزو الثقافي ،
والفكري ، والأخلاقي على شكل :
ـ منابر إعلامية : صحافة ،
قنوات فضائية ، حثالة كتَّاب مأجورين ..إلخ
ـ مؤسسات تعليمية ،
وجامعات ، ومدارس أجنبيـَّة ، تكون مثل (القواعد العسكرية الفكرية) ، نسرق أرضهـا
من بلادكم على حسابكـم ، ونبنيها من أموالكم ، وتسلمونَّنا أولادكم من النخب التي
سيقوم عليها مستقبل شعبكم ، لكي نصوغُ نحـن عقولهم ،
وأخلاقهـم.
ونستفيد من هذه الجامعـات بجلب أساتذتنا ، ومفكرينا ،
ودكاترتنا ، برواتب عالية ، وننشر فيها ثقافتنا ، ونبرز من أبناءكم من يحقق أهدافنا
، ونعزل الآخرين الذين يريدون الإستفادة من هذه الصروح العلميّة لصالح أمّتكم
!
وبعبارة أخرى نجعلها أنموذجا لثقافتنا على أرضكم ، وعلى
حسابكم ، من غير أن ننفق فيها درهماً واحـداً .
وبذلك نسخـِّر أموالكم
، ومقدراتكم ، وأبناءكم ، ليخدموا أنموذجنا الثقافي ، وليحقّقوا اختراقنا لهويتكم ،
وليستعملوا العلوم الحديثة لإثبات تفوّقنا الحضاري عليكم.
ولكن
نقول لكم : هذا يدل على أنكم وصلتم إلى الرقيّ ، والتقدّم ، لأنّ هذا الإختراق ،
حدث على أرضـكم ، وبأموالكـم .
وأنتم كالمهابيل تصفقـون
لإنجازنا هذا العظيم ، على أنّه إنجازكـم !
وذلك أننـَّا مادام قراركم
السياسي مرهون عندنا ، وإقتصادكم ملحق بنا ، وثرواتـكم مسخَّرة لأهدافنا ،
وإتفاقيتنا العسكرية معكم هـي أغلال بأيدينا ، فكلُّ إنجازاتكم الكبرى ، نحن
نتحكَّـم فيها ، وفي حجرنا تسقط ثمارها ، وإلينا تصير عواقبها .
فأنتم
لست كالصين التي ترجع فوائد هذه الصروح العلميّـة إليها ، ولا مثـل روسيا التي نحن
معها في عنـاء ، وتنافسنا على العالم ، ولاحتى كفنزويلا التي كلَّما زادت في التطور
العلمي ، إستفاد شعبها قبل غيره ، فزاد تمرّدها علينا .
رابعا :
يُضيَّق على كلِّ المنابر التي تحاول التشويش على أهداف الاستعمار الجديد بخطواتـه
السرية الآنفة الذكر ، وتُعزل ، وتُلاحق .
وتُبرز صورتها على أنها
ضدّ تقدّم الأمة ، وأنهم أعداء التكنلوجيا ، وأنهم لايدافعون عن الهويّة ، والفضيلة
، واستقلال إرادة الأمّة السياسيّة ، والإقتصاديّـة ، وليس هدفهـم أنَّ كلَّ ما على
أرض الأمّة من إنجازات ، يجب أن يُسخَّـر لها لا لغيـرها .
بل هم أناس
متخلّفون ، رجعيّون ، لايعرفون شيئا عن تقدُّم العصـر الحديث !
انتهى
تعريف الاستعمار الجديد
وبعد :
فقد أضحى الخليج العربي
، مكبّا لنفايات الغرب الفكرية ، ورذائله الأخلاقية ، ومرتعا لعهره السياسي ،
ومسرحا لصراعاته التوسعيّة ، وتحول إلى مستودعات تخزين السلاح الخطر ، ومدافن
للوقود النووي ، حتى استشرت فيه السرطانات البدنية ، والسرطانات العقدية ،
والسرطانات الأخلاقية.
وكلُّ ذلك محاربةً لعقيدته الإسلامية ، وطمساً
لهويته الدينية ، وتدميراً لثقافة الفضيلة والطُّهـر فيه ، وتخريباً لإنتماءه
الحضاري الإسلامي ، بل حتَّى اللغة العربية أُلغيت من مدارس بعض دول الخليج ، فضلا
عن التعليم الإسلامي ، وسلَّمت دولةٌ أخرى مناهجها التعليمية لتشرف عليها شركات
أمريكية !!
في مشروع خطيـر يهدف إلى تحويل الخليـج إلى مثل الفلبين ،
وتايلند ، وغيرها من البلاد التي عاثوا فيها فساداً ، وملئوها عُهراً ، وخبالا .
فالقضية أيها الأخـوَّة ليست مشكلة اختلاط فحسب ، ولا يصح أن تُختصر
إلى هذا العنوان فقط ، مع ما في الاختلاط في التعليم في مراحل الشباب من خطورةٍ على
الفضيلة ،
غير أنها على خطورتها إنما هي فرع على : الخضوع
للاستعمار الجديد ، والإستسلام للإختراق الثقافي ، وسلب الإرادة السياسية ،
وإستلاب الاستقلال الإقتصادي ، وأخطر من ذلك كلِّه ، إلباس هذا الخضوع ، لباس
الشريعة ، وتغطيته بخطاب الدين ، وتسكينه في ضمير الأمّة بلسان الفتوى الشرعية
!
فهذا الذي تراكـم ، وتكرَّس ، عبر عقود في صمت مطبق عن خطورته ،
ومناقضته لأصول الإسلام ، وأهداف الأمـّة ،
هو الذي أثمر هذا
الشلل التام أمام إفشال مشاريع التغريب المتكاثرة ، والمتلاحقة ، التي تتسارع في
هدمها للإسلام في مهده ، والتي تهدف إلى التخريب الأخلاقي ، والإفساد الثقافي ،
ونشر الفساد في الأرض ، والصدّ عن سبيل الله .
حتى أصبـح مُنْكرُهـا ،
بل مُنكرُ بعض آثارها ، أو وسائلها ـ مثل الاختلاط ـ مجرماً ، مطروداً
، مسخوطا عليه ، وأين ذلك ؟! في وسط يعُجُّ بالجامعات الشرعية الشمَّاء ، وبالكتب
والمؤلفات الإسلامية الغـرَّاء ، ويضـجُّ بالخطب العصماء ، ويثـجُّ بفتاوى العلمـاء
، فلا يجـد المنكـر منهـم وليـَّا ، ولانصيـراً !
ولسان حاله يقول :
ذهب الرجال المقتدى بفعالهم ** والمنكرون لكلّ أمرٍ منكرِ
وبقيت
في خلف يزيّن بعضهم ** بعضا ليستر مُعورٌ عن مُعورِ
سلكوا بنيات الطريق فأصبحوا
** متنكبين عن الطريق الأكبرِ
ولا خلاص اليوم من هذا السيل الهادر من
التخريب المحمي رسميا في دول الخليج إلاَّ بتكاتف الجهود المخلصة ، وتضامن الآمرين
بالمعروف والناهين عن المنكر في مؤسسات كبيرة ، تستمد قوتها من بيئتنا
الإسلامية ، وشعوبنا المحبة للخير والفضيلة ، لتكثيف مؤسسات الدفاع عن حياض الدين ،
ولتكثير حصون الصد عن عقيدة المسلمين .
ومعلوم أنَّ تحقيق هذا الهدف
لايحصل إلاَّ بالتضحيات ، ولايتحقق إلاَّ ببذل الغاليات ، وقد قال تعالى ( يَا
بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور ).
ولهذا نقول للدعاة ، والمصلحين ، والأمرين بالمعروف ، والناهين عن
النكر ، سيروا على بركة الله ، وجاهدوا أذناب المستعمر بكلمة الله ، واصبروا،
وصابروا ، ورابطوا ، وإتقوا الله فإنَّ العاقبة للمتقين .
واستنفــروا
للدين :
تحفزَّ الليثُ ليثُ الدّين منْتصراً **فالغرب يبكي
،وبالصلبان أحزانُ
ضراغمٌ هـزّت الدّنيا بوثْبتهـا ** لهم من الوحي تأييدٌ
،وسلطانُ
أما كلابُ المستعمر ، النابحون إثر نباحه ، المتوَّلدون من
سفاحه ، فئران الإمبرالية ، المدَّعون الليبرالية ، وهم شرُّ البرية ، فسيولُّون
كما ولـَّى من قبلهم ، ومن سيأتي من بعدهم من موكب وليّهم إبليس ، وسيرتدّ كيدهم
عليهم ، ويرجع مكرهم إليهم .
وإلى حثالة مزبلة التاريخ
.
والله حسبنا عليه توكلنا ، فنعم المولى ونعم
النصيـر.
الشيخ حامد العلي نقلا عن موقعه