فأين نحن من هذا الكلام؟
وسائل ضبط الشهوة
إن المطلع على
تصرفات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصرفات أصحابه رضوان الله عليهم يستطيع أن
يستخرج آداباً إسلامية عامة تعينه على ضبط شهوة البطن وجعلها تسير وفق
الأهداف التي حددها لها الإسلام والتي من أهمها البقاء والتقوية على العبادة.
وليعلم المسلم أن ردّ الشهوة ليس من الأمور السهلة بل إنها تحتاج إلى مجاهدة
كبيرة ويقين بالأجر والثواب المترتب عليها والتي منها صحة البدن والخلاص من الأمراض
لأن في السمن أضرار جسمية، "فالسمن عبء ثقيل على الجسم بأجمعه، فالقلب يتحمل أكثر
من طاقته، والأوعية الدموية تتصلّب وتشيخ، وعمر المرء من عمر شرايينه، والكبد
والكلى يتحملان أكثر من طاقتهما، والعضلات تتشحم وتتراخى، ويصبح الجسم معرضاً
للإصابة بالسكري والنقرس – داء الملوك، أي داء المترفين – وبتصلب الشرايين، وارتفاع
الضغط الشرياني ، وبجلطة القلب" وجلطة المخ، والفلوج، والشلول،.. إلخ… والعياذ
بالله"، [الدكتور عبد الرزاق الكيلاني، الحقائق الطبية في الإسلام،
ص178]
ومنها التخلص من الشيطان لأن لا مدخل لهذا
الشيطان إلا من باب الشهوة، فلا تستعبده شهوة تدفعه إلى معصية، ولا تستهويه فكرة
تبعده عن طاعة، فهو أبداً في حالة سيطرة على مشاعره وأفكاره، لذلك عدَّ مالك بن
دينار أن "من غلب شهوات الدنيا فذاك الذي يَفْرُق (يخاف) الشيطان من
ظله".
ومنها الحصول على حب رب العالمين ورضاه، لأن الله
سبحانه وتعالى لا يحب المسرفين.
ومن الشروط التي تساعد على ضبط شهوة البطن:
1- تصفية
اللقمة الحلال، فقد جعل العلماء المعدة أصل الداء والشر، قال الإمام الربّاني عبد
القادر الجيلاني: "إن رأس المعاصي الحرام، وملاك الدين الحلال والتورع وتصفية
اللقمة، فكل ما ينشأ من إنسان من خير وشر فمن اللقمة فالحلال يورث الخير والحرام
يورث الشر".
2- تقليل الطعام وعدم الإسراف فيه، واتباع سنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم في ذلك، جاء في المسند وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما ملأ
آدمي وعاءً شراً من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يُقمن صُلبه، فإن كان لابد فاعلاً
فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" [زاد المعاد، ج3 ،
ص68ٍ
أما السبيل إلى تقليل الطعام فيكون باتباع سنة التدريج فينقص
من طعامه شيئاً فشيئاً،"لأن من اعتاد الأكل الكثير وانتقل دفعة واحدة إلى القليل لم
يتحمل مزاجه وضعف وعظمت مشقته" [الغزالي، إحياء علوم الدين، ج3 ،
ص189ٍ
وقد ذكر الغزالي في الإحياء عدة نقاط تساعد على ضبط
شهوة البطن منها:
1- عدم التنوع في الطعام، والاقتصار على نوع واحد، فيروى عن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه "أن يزيد بن أبي سفيان يأكل أنواع الطعام فقال عمر
لمولىً له: إذا علمت أنه قد حضر عشاؤه فأعلمني، فأعلمه فدخل عليه فقرب عشاؤه فأتوه
بثَريد لحم فأكل معه عمر، ثم قرّب الشواء بسط يزيد يده وكف عمر يده وقال: الله الله
يا يزيد بن أبي سفيان، أطعام بعد طعام؟".
2- تقديم الأكل اللطيف على الأكل
الغليظ، فإنه المرء إذا قدم اللطيف لا يشتهي الغليظ بعده، ولو قدم الغليظ لأكل
اللطيف للطافته.
3- عدم أكل الفواكه مع الأكل، فإذا اشتهى شيئاً منها "فينبغي أن
يترك الخبز ويأكلها بدلاً منه لتكون قوتاً، ولا تكون تفكهاً لئلا يجمع للنفس بين
عادة وشهوة".
4- عدم التشديد على النفس ومراعاة ضعفها، فإذا قدمت شهوة كان
الإنسان تاركاً لها فليُصب منها شيئاً يسيراً، فيكون قد أسقط عن نفسه الشهوة ويكون
قد نغص عليها إذ لم يعطها شِهوتها.
ومما يعين العبد في مهمته هذه التفكير الموضوعي فهو
الدواء الأنجح لحالات التردد، هذا التفكير يكون على المستوى الفردي حين يتخيل
الإنسان نفسه بعد انقضاء الشهوة نادماً متألماً لتغلّب شهوته عليه، فالسعادة كلها
في أن يملك الإنسان نفسه، والشقاوة في أن تملكه نفسه، ويكون على المستوى الجماعي
بعدم نسيان أهل البلاء، فإن الشبعان ينسى الجائع وينسى الجوع، ولذلك قيل ليوسف عليه
السلام: "لم تجوع وفي يدك خزائن الأرض؟ فقال: أخاف أن أشبع فأنسى
الجائع".
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والصلاة
والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.