اذهبي الى المحتوى
  • اﻹهداءات

    قومي بتسجيل الدخول أوﻻً لإرسال إهداء
    عرض المزيد

المنتديات

  1. "أهل القرآن"

    1. 57207
      مشاركات
    2. ساحات تحفيظ القرآن الكريم

      ساحات مخصصة لحفظ القرآن الكريم وتسميعه.
      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" [صحيح الترغيب]

      109818
      مشاركات
    3. ساحة التجويد

      ساحة مُخصصة لتعليم أحكام تجويد القرآن الكريم وتلاوته على الوجه الصحيح

      9066
      مشاركات
  2. القسم العام

    1. الإعلانات "نشاطات منتدى أخوات طريق الإسلام"

      للإعلان عن مسابقات وحملات المنتدى و نشاطاته المختلفة

      المشرفات: المشرفات, مساعدات المشرفات
      284
      مشاركات
    2. الملتقى المفتوح

      لمناقشة المواضيع العامة التي لا تُناقش في بقية الساحات

      180499
      مشاركات
    3. شموخٌ رغم الجراح

      من رحم المعاناة يخرج جيل النصر، منتدى يعتني بشؤون أمتنا الإسلامية، وأخبار إخواننا حول العالم.

      المشرفات: مُقصرة دومًا
      56695
      مشاركات
    4. 259980
      مشاركات
    5. شكاوى واقتراحات

      لطرح شكاوى وملاحظات على المنتدى، ولطرح اقتراحات لتطويره

      23500
      مشاركات
  3. ميراث الأنبياء

    1. قبس من نور النبوة

      ساحة مخصصة لطرح أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و شروحاتها و الفوائد المستقاة منها

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      8234
      مشاركات
    2. مجلس طالبات العلم

      قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"

      32130
      مشاركات
    3. واحة اللغة والأدب

      ساحة لتدارس مختلف علوم اللغة العربية

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      4160
      مشاركات
    4. أحاديث المنتدى الضعيفة والموضوعة والدعوات الخاطئة

      يتم نقل مواضيع المنتدى التي تشمل أحاديثَ ضعيفة أو موضوعة، وتلك التي تدعو إلى أمور غير شرعية، إلى هذا القسم

      3918
      مشاركات
    5. ساحة تحفيظ الأربعون النووية

      قسم خاص لحفظ أحاديث كتاب الأربعين النووية

      25483
      مشاركات
    6. ساحة تحفيظ رياض الصالحين

      قسم خاص لحفظ أحاديث رياض الصالحين

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      1677
      مشاركات
  4. الملتقى الشرعي

    1. الساحة الرمضانية

      مواضيع تتعلق بشهر رمضان المبارك

      المشرفات: فريق التصحيح
      30256
      مشاركات
    2. الساحة العقدية والفقهية

      لطرح مواضيع العقيدة والفقه؛ خاصة تلك المتعلقة بالمرأة المسلمة.

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      52987
      مشاركات
    3. أرشيف فتاوى المنتدى الشرعية

      يتم هنا نقل وتجميع مواضيع المنتدى المحتوية على فتاوى شرعية

      المشرفات: أرشيف الفتاوى
      19530
      مشاركات
    4. 6678
      مشاركات
  5. داعيات إلى الهدى

    1. زاد الداعية

      لمناقشة أمور الدعوة النسائية؛ من أفكار وأساليب، وعقبات ينبغي التغلب عليها.

      المشرفات: جمانة راجح
      21004
      مشاركات
    2. إصدارات ركن أخوات طريق الإسلام الدعوية

      إصدراتنا الدعوية من المجلات والمطويات والنشرات، الجاهزة للطباعة والتوزيع.

      776
      مشاركات
  6. البيت السعيد

    1. بَاْبُڪِ إِلَے اَلْجَنَّۃِ

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه." [صحيح ابن ماجه 2970]

      المشرفات: جمانة راجح
      6306
      مشاركات
    2. .❤. هو جنتكِ وناركِ .❤.

      لمناقشة أمور الحياة الزوجية

      97008
      مشاركات
    3. آمال المستقبل

      "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" قسم لمناقشة أمور تربية الأبناء

      36838
      مشاركات
  7. سير وقصص ومواعظ

    1. 31793
      مشاركات
    2. القصص القرآني

      "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يُفترى"

      4883
      مشاركات
    3. السيرة النبوية

      نفحات الطيب من سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم

      16438
      مشاركات
    4. سيرة الصحابة والسلف الصالح

      ساحة لعرض سير الصحابة رضوان الله عليهم ، وسير سلفنا الصالح الذين جاء فيهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.."

      المشرفات: سدرة المُنتهى 87
      15478
      مشاركات
    5. على طريق التوبة

      يقول الله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه:82.

      المشرفات: أمل الأمّة
      29721
      مشاركات
  8. العلم والإيمان

    1. العبادة المنسية

      "وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ.." عبادة غفل عنها الناس

      31145
      مشاركات
    2. الساحة العلمية

      العلوم الكونية والتطبيقية وجديد العلم في كل المجالات

      المشرفات: ميرفت ابو القاسم
      12926
      مشاركات
  9. إن من البيان لسحرًا

    1. قلمٌ نابضٌ

      ساحة لصاحبات الأقلام المبدعة المتذوقة للشعر العربي وأدبه

      المشرفات: الوفاء و الإخلاص
      50492
      مشاركات
  10. مملكتكِ الجميلة

    1. 41314
      مشاركات
    2. 33909
      مشاركات
    3. الطيّبات

      ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))
      [البقرة : 172]

      91746
      مشاركات
  11. كمبيوتر وتقنيات

    1. صوتيات ومرئيات

      ساحة مخصصة للمواد الإسلامية السمعية والمرئية

      المشرفات: ام جومانا وجنى
      32199
      مشاركات
    2. جوالات واتصالات

      قسم خاص بما يتعلق بالجوالات من برامج وأجهزة

      13116
      مشاركات
    3. 34854
      مشاركات
    4. خربشة مبدعة

      ساحة التصاميم الرسومية

      المشرفات: محبة للجنان
      65605
      مشاركات
    5. وميضُ ضوء

      صور فوتوغرافية ملتقطة بواسطة كاميرات عضوات منتدياتنا

      6120
      مشاركات
    6. 8966
      مشاركات
    7. المصممة الداعية

      يداَ بيد نخطو بثبات لنكون مصممات داعيـــات

      4925
      مشاركات
  12. ورشة عمل المحاضرات المفرغة

    1. ورشة التفريغ

      هنا يتم تفريغ المحاضرات الصوتية (في قسم التفريغ) ثم تنسيقها وتدقيقها لغويا (في قسم التصحيح) ثم يتم تخريج آياتها وأحاديثها (في قسم التخريج)

      12904
      مشاركات
    2. المحاضرات المنقحة و المطويات الجاهزة

      هنا توضع المحاضرات المنقحة والجاهزة بعد تفريغها وتصحيحها وتخريجها

      508
      مشاركات
  13. IslamWay Sisters

    1. English forums   (36900 زيارات علي هذا الرابط)

      Several English forums

  14. المكررات

    1. المواضيع المكررة

      تقوم مشرفات المنتدى بنقل أي موضوع مكرر تم نشره سابقًا إلى هذه الساحة.

      101648
      مشاركات
  • أحدث المشاركات

    • الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:   فلقد خَلَقَ الله تعالى الإنسانَ ليعبده، وجعله خليفته في الأرض حتى يمتحنه وينظر كيف يعمل، وهو تعالى كان وما زال عليمًا بما سيحدث ومن سيطيعه ومن يعصيه في سابق علمه، إلا أنه قدَّر على الإنسان أن يمر بهذا الامتحان، ويختار طريقه وأعماله ويجازيه عليها؛ إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ، فتُقام بذلك الحُجَّة عليه، وبما كُتِبَ له في صحائف أعماله، وكذلك لتتجلى له قدرة الله وسيطرته عليه وعلى جميع مخلوقاته، وليؤمن بوحدانيته وألوهيته في قلبه، ويسلم له طوعًا، فلا يَسَعُ إنسانًا بعدها أن يقول: "ربِّ لقد خلقتني للنار، فهذا ليس عدل"، أو أن يحتج بالقدر كما يفعل الكفار في النار، فالله تعالى عادل لا يظلم أحدًا، والخاسرون هم من ظلموا أنفسهم بكفرهم، فما دخل أحدٌ النارَ إلا بسوء عمله وغروره، ولولا ذلك لَما شهد عليه كتابه يوم القيامة؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46]، وقال: ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [الإسراء: 13، 14]، فعلينا – إذًا - التوبة والرجوع إلى الله، والاستغفار والإنابة، ومحاسبة النفس، والله تعالى رقيب علينا وعلى ما تقترفه أيدينا بالليل والنهار، كما أنه يعلم ما تخفي قلوبنا وأسرارنا، وكل إنسان بصير بنفسه، ويعرف تمامًا ما قدم وما أخَّر، ويوم القيامة لا يستطيع أن ينكره؛ ولذا كان حرِيًّا به أن يراقب الله في السر والعلن، وفي القول والعمل كما يراقبه هو؛ قال تعالى: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]، وقال: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].       ومن رحمة الله بالإنسان أنه مكَّنه من اختيار أعماله وعقيدته ودينه، فلم يجبره على شيء منها، وله الحرية في أن يختار طريقه، ولا يعني ذلك أن أفعاله خارجة عن قدر الله وقدرته وإرادته، فلا يملك إنسان أن يفعل في ملك الله ما لم يأذن به، وهو سبحانه يعلم ما سيفعله عباده، وكتبه في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم، وكل شيء يحدث في مُلْكِهِ مُسَطَّرٌ ومكتوب ومعروف له مسبقًا، ودليل ذلك ما جاء في الحديث عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: ((إن أول شيء خلقه الله عز وجل: القلمُ، فأخذه بيمينه - وكلتا يديه يمين - قال: فكتب الدنيا وما يكون فيها من عمل معمول: بِرٍّ أو فجور، رطب أو يابس، فأحصاه عنده في الذكر، ثم قال: اقرؤوا إن شئتم: ﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجاثية: 29]، فهل تكون النسخة إلا من أمر قد فَرَغَ منه))[1]، وقوله تعالى: ﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجاثية: 29]، وهذا يؤكد على أن أعمال العباد مكتوبة ومُقدَّرة مسبقًا.       وليس من العقل أو المنطق أن يخلق الله تعالى الإنسان ليمتحنه ثم يفرض عليه أعماله، نَعَم، الله قدَّرها وخلقها، ويُغيِّر فيها ما يشاء كما يشاء، وذلك بتغيير قلب الإنسان وإرادته، وبتغيير أقداره وما كتبه فيها، ولكنه سبحانه أعطانا الحرية في الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، ولا ينكر ذلك إلا ضالٌّ أو مجنون، فالمقال الذي أكتبه الآن قدَّره الله لي منذ الأزل في سابق علمه، ولكني أكتبه الآن بكامل قواي العقلية، ولم يجبرني أحد على كتابته، وإن قلت بغير ذلك كنتُ كاذبةً، فما كتبه الله هو ما علِمه عني في سابق علمه بأني سأقوم بذلك، وكان بإمكانه وقدرته تغيير ما يشاء في ذلك إن أراد، كأن يصرفني عنه أو يصيبني بعائق يمنعني منه، أو يحوِّل قلبي من الرغبة في كتابته، ولكنه تعالى لم يفعل، فتركني لِما اخترت فعله وأذِن لي به، وكأنه سبحانه يعطيني الفرصة ليمتحنني، وينظر ماذا أكتب، وما يتفوَّه به قلمي، ولتفسير كل ذلك وفَهْمِهِ لا بد من الإيمان بصفة علم الله التام بالسابق واللاحق، وصفة عدله، والإيمان بقضائه وقدره.       وإذا كان الله سيفرض علينا ما نختاره، فلِمَ وهبنا العقل الذي نفكر به، والقلب الذي نؤمن به؟ ولمَ أمرنا بالتفكر في أنفسنا وفي مخلوقاته وآياته الكونية؟ قال تعالى: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21]، وقال: ﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 185]، وما فائدة العقل إن لم يكن لنا اختيار في أعمالنا؟ وكذلك لِمَ أمرنا الله كثيرًا في آياته بأحكام الإسلام، وأوامره المختلفة؛ حين يقول: يا أيها الذين آمنوا افعلوا كذا أو تجنبوا كذا؟ ولِمَ قال لنا: ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29]؟ فكلمة "شاء" تعني "أراد"، ولا ينبغي أن تؤول على غير معناها الظاهر دون قرينة تمنع إرادة المعنى الأصلي، كما قال أهل التفسير، فلو لم تكن لنا قدرة على الاختيار، لَما أمرنا الله به؛ لأنه لا يكلف نفسًا إلا وسعها، ولو لم يشأ الكفَّار الكُفْرَ لم يدخلهم الله النار، ولو لم يعصِ العصاة الله لَما شهِدت عليهم جوارحهم، ولَما غضب الله عليهم، وكيف سبحانه سيغضب عليهم لشيء فرضه عليهم؟ فذلك سيعني أنه سيغضب لعمله وقدره بنفسه، وكيف يحاسبهم في شيء ليس لهم يد فيه ولم يختاروه بأنفسهم؟ فاحتجاجهم بالقدر ذلك مردود عليهم؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [النحل: 35]، وقال: ﴿ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [فصلت: 20].       وهذا يردُّ على من غالى في القدر، ونفى إرادة العبد في عمله؛ كالجبرية الذين قالوا: إن العبد مجبور في أعماله، وإن الكفار مجبورون على الكفر، وهذا القول باطل، ويكذبه القرآن الكريم كما بيَّنَّا سابقًا، كما تكذبه أعمالنا، ولو لم يكن للعبد إرادة في اختيار دينه وعمله، فلماذا أرسل الله لنا الرسل ومعجزاتهم وكتبهم ورسالاتهم؟ ولماذا جعل هناك جزاء وحسابًا، وجنة ونارًا، وفائزين وخاسرين؟ ولِمَ يمتحننا بالإيمان والكفر؟ ولو كنا مجبرين على أحدهما، لفسد الامتحان، وأصبح بغير هدف ولا مغزى، وصار خلق الكون عبثًا، وقد أنكر الله ذلك على من اعتقد به في قوله تعالى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115].       ورغم أن الله تعالى خيَّر الإنسان في عمله، إلا أن هذا التخيير ليس على إطلاقه في كل شيء، فلا ينكر أحد أن هناك أقدارًا لا يستطيع أن يختار فيها الإنسان، ولا يَدَ له فيها، ومثال ذلك: اختيار أين يكون مكان ميلاده، ومن يكون أبواه، وما جنسه، وما شكل خلقته، وأين سيموت...، وهكذا، وهناك أقدار أخرى يختارها الإنسان بإرادته، وقد علمها الله تعالى في سابق علمه وقدَّرها له، وله سبحانه أن يغيِّر فيها أو يفعل ما يشاء، وهو بحكمته وعدله ورحمته بعباده جعل للإنسان إرادة فيها، ومثالها اختيار الطاعة والمعصية، واختيار الكفر والإيمان، واختيار السلوك القويم والانحراف؛ قال تعالى: ﴿ مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15]، وكذلك يسَّر لنا الله اختيار معظم قراراتنا الحياتية والدنيوية؛ مثل: ماذا تريد أن تدرس؟ وما عملك؟ وأين تسكن؟ وما إلى ذلك.       وهناك من نفى القدر في أعمال العباد كالقدرية، وجعل العباد خالقين لأفعالهم، وهؤلاء أيضًا تاهوا مثل الجبرية، ولكن في الاتجاه المعاكس، فالله تعالى قدَّر أعمال العباد وخلقها أيضًا؛ قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الصافات: 96]، ولو كان العباد خالقين لأفعالهم كما يقولون، لَتنافى ذلك مع أن يكون الله هو خالق كل شيء، وهذا كفر؛ لأنه يكذب القرآن الذي بيَّن أن الله خالق كل شيء، ويتنافى كذلك مع حديث القلم واللوح المحفوظ السابق ذكره؛ قال تعالى: ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الأنعام: 102]، وقد كتب الله تعالى من سيكون أصحاب الجنة، ومن أصحاب النار؛ وذلك لعلمه وإحاطته بأعمالهم وقلوبهم، وما سيقع منهم؛ ورُوي عن عبدالله بن عمرو أنه قال: ((خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده كتابان، فقال: أتدرون ما هذان الكتابان؟ فقلنا: لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا، فقال للذي في يده اليمنى: هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم، فلا يُزاد فيهم، ولا ينقص منهم أبدًا، ثم قال للذي في شماله: هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم، فلا يُزاد فيهم، ولا ينقص منهم أبدًا، فقال أصحابه: ففِيمَ العمل يا رسول الله إن كان أمر قد فُرِغَ منه؟ فقال: سدِّدوا وقاربوا؛ فإن صاحب الجنة يُختَم له بعمل أهل الجنة، وإن عمل أيَّ عملٍ، وإن صاحب النار يُختم له بعمل أهل النار، وإن عمل أي عمل، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه فنبذهما ثم قال: فرغ ربكم من العباد؛ فريق في الجنة، وفريق في السعير))[2].       وهذا يبيِّن أن الإنسان عبدٌ لله، ويستطيع أن يختار الكفر أو الإيمان، ولكنه لا يستطيع أن يخلقهما، وإرادته تابعة لإرادة الله وتحت مشيئته، وهذا يثبته الواقع الذي نمر به، فكم من ساعة نقرر فعل شيء، ولكن الله يقدر ألَّا نفعله، فمثلًا ربما قررت أن تذهب للحج هذا العام، ولكنك لم تستطع، ربما نقص مالك عن التكلفة، أو مرضت، أو لم يتم اختيارك من قِبَلِ لجنة اختيار الحُجَّاج، أو مت قبل ذلك، وما إلى ذلك، فهذه الموانع كلها من قضاء الله وقدره، وربما أراد الله تعالى بها أن يكتب لك الأجر دون أن تتكبد المشقة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((من همَّ بحسنة فلم يعملها، كُتِبت له حسنة، فإن عملها، كُتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة وسبع أمثالها، فإن لم يعملها، كُتِبت له حسنة))[3]، وغير هذه العراقيل التي قد تواجه الإنسان فيما ينوي فعله، وهناك أيضًا تقليب القلوب بيد الله، وجاء في الحديث: ((إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يصرفه حيث يشاء))[4]وكان يدعو صلى الله عليه وسلم بقوله: ((اللهم مصرِّفَ القلوب، صرِّف قلوبنا على طاعتك))[5].       ورغم أن القدر ليس بعذرٍ للكفر، وأن بمقدورنا أن نؤمن، وأن الله تعالى لم يجبرنا عليه، ولكن من يتكبر على الله، وعلى طاعته، ويختار المعصية والكفر قد يختم الله على قلبه، فلا يقبل إيمانًا بعدها والعياذ بالله، وهذا عقاب له على كفره وتكبُّره على خالقه ورفضه الإيمان ابتداءً؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 6، 7]، والله تعالى عادة يُمهِل العبد، ويعطيه الكثير من الفرص ليتوب، ويبتليه بالمصائب والأمراض لعله يرجع وينيب، ويرسل له الإشارات، وهو لا يريد تعذيبنا، وأرسل لنا الرسل والناصحين حتى ننجو، وهو أرحم بنا من أمهاتنا، ويفرح بتوبة عبده؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا تقرَّب العبد إليَّ شبرًا، تقربت إليه ذراعًا، وإذا تقرب مني ذراعًا، تقرَّبت منه باعًا، وإذا أتاني مشيًا، أتيته هرولة))[6]، ولكن من يصر ويتمادَ ويبارز الله بالكفر، يغضب الله عليه، ويختم على قلبه، وكثرة المعاصي دون توبة والمجاهرة بها تُهلِك الإنسان، وتجلب له النفاق وسوادَ القلب؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد إذا أخطأ خطيئة، نُكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب، صُقل قلبه، وإن عاد زِيدَ فيها، حتى تعلوَ قلبه؛ وهو الران الذي ذكر الله: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]))[7].       والله تعالى ذَكَرَ أن الهداية والضلال بيده، فلا يظن أحد أنه يملك كل شيء في ذلك القرار؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الأنعام: 39]، فرغم أن الله خيَّر الإنسان في ذلك، ولكنه يمكن أن يُضِله إن رأى منه ما يُغضبه؛ ولذا أمرنا الله تعالى بأن نستغفره ونستعين به، ونطلب منه الهداية في كل يوم وكل صلاة وكل ركعة؛ حين نقول في سورة الفاتحة: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 5، 6]، وعلَّمنا خيرُ البريَّة أن نقول دبر كل صلاة: ((اللهم أعنِّي على ذِكرِك وشكرك وحسن عبادتك))[8]، فعلينا بالاستغفار، وأن نعبد الله بين الخوف والرجاء، ونخشى مَكْرَه وإضلاله لنا، وهذا يحقق الوحدانية المطلقة لله، فلا يظن عبد أنه يمكن أن يقترف المحرمات، ويعيش طيلة حياته على اللهو والكفر، اعتمادًا على أنه سيتوب قبل الموت، فربما يغضب عليه الله، ويمنعه من ذلك في آخر عمره، وينتهي بسوء الخاتمة، وهنا يأتي تدخُّل القدر؛ حيث يظهر أثره كثيرًا في الخواتيم، وعند الموت تفتضح سرائر الناس وأعمالهم، فمن خُتِمَ له بسوء، هو عادة من عاش على المعصية، وحتى لو ظهر للناس بالصلاح، إلا أن الله يعلم سريرته، وليس ذلك لأن الله ظالم له، بل لما أسرَّ في قلبه، ونحن لا نعلم ما في نفوس الناس، ولا ندري ما يُضمرون، ولا ما كسبت قلوبهم ومعتقداتهم، فربما ساءت خاتمة المرء لخَلَلٍ في عقيدته، أو لسوء النية، أو لذنوب الخلوات، أو للرياء والنفاق، أو المجاهرة بالمعاصي، أو لفساد القلب، أو لتغلب الشهوات، أو غيرها من المهلكات، فيقدِّر الله له الموت على كفر أو أثناء معصية، وكذلك كم رأينا من حسن الخاتمة لأناسٍ لا يبدو عليهم كثيرًا من الصلاح، وربما ينجيهم الله لتوحيدهم وحسن سريرتهم، وحسن خُلُقهم، ونقاء قلوبهم، وعفوهم عن الناس، وما إلى ذلك من العبادات التي تكون بين العبد وربه.       وفَهْمُ القدر من أقوى ما يجعل المرء يخبت لله، ويزيد من خوفه وخشيته، ويجعله يجِدُّ في طلب الآخرة، والسعي في مرضاة الله؛ ولذا علينا تعليمه لأبنائنا منذ الصغر، وإفهامهم جميع جوانبه؛ حتى لا يقعوا في الغلو في جانب منه، ويهلكوا به، ويجب تعليمهم أن الصواب في القدر هو الوسطية التي تحميهم من اعتقاد القدرية في نفي القدر في أعمال العباد، ونفي خلق الله لها، ومن معتقد الجبرية بأن الإنسان لا إرادة له ولا خيار في عمله، فهم وسط في ذلك، ولا يغالون في جانب دون آخر، ويسلِّموا بكل ما جاء وصحَّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم في القدر، واتبعوا ما كان عليه هو وصحابته الكرام، وهذا هو المعتقد الذي تعتقده الفرقة الناجية من أهل السنة والجماعة؛ قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: "أهل السنة والجماعة وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية"[9]، فعلينا ألَّا ننفي القدر، ونؤمن بأن الله خالقنا وخالق أعمالنا، وبيده مصائرنا، ونؤمن كذلك بأن الله تعالى أرسل لنا الرسل، وأمرنا بالإيمان والعمل الصالح، ووهبنا العقل لنختار به، وجعل لنا القدرة على اختيار أفعالنا والقيام بها، وأنه تعالى يمتحننا بهذا في الدنيا؛ ليجزينا بما عملنا في الآخرة، فلا ننكر القدر، ولا نعتقد أن بيدنا أن نفعل في مُلْكِ الله ما لا يريد، أو أن نقوم بشيء بدون أن يأذَنَ به لنا، وأن بإمكانه أن يمنعنا عن عمل أردنا القيام به، لو شاء حتى ولو كان طاعة، وأن قلوبنا بيده، وأنه ليس بظلام للعبيد، ونؤمن بأن أهل النار دخلوها لسوء أفعالهم التي علِم الله أنهم سيفعلونها بسابق علمه، ونؤمن بأن الهداية والضلال بيد الله، وأنَّ علينا أنْ ندعوه، ونسأله التوفيق للإيمان والعمل الصالح، ونستعيذ به من الكفر والشرك والخذلان، وهذه هي سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله؛ قال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40]، وقال على لسان يوسف عليه السلام: ﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101].       هذا، والله تعالى أعلم، ونسأله سبحانه أن يوفِّقنا للإيمان والعمل الصالح، ويثبتنا على طاعته حتى الممات، ويتوفانا مسلمين، ويحشرنا في زمرة الأبرار والصالحين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.     [1] أورده الألباني في السلسلة الصحيحة (3136)، وحكمه عليه: إسناده صحيح. [2] حسنه الألباني في صحيح الترمذي (2141). [3] ذكره شعيب الأرنؤوط في تخريج المسند (9325)، وخلاصة حكمه عليه: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه مسلم (130) باختلاف يسير. [4] مسلم (2654). [5] الحديث السابق. [6] البخاري (7536). [7] حسنه الوادعي في الصحيح المسند (1430). [8] ذكره ابن باز في فتاويه (11 /194)، وخلاصة حكمه: إسناده صحيح. [9] العقيدة الواسطية (186).   د. منال محمد أبو العزائم   شبكة الالوكة  
    • (قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ٥٠-سبأ نلاحظ أنه صلى الله عليه وسلم نسب الضلال إنْ حدث إلى النفس، ولكنه صلى الله عليه وسلم نسب الهداية إلى الله وإلى الوحي المنزَّل عليه؛ لأن الله إذا أنزل منهجاً هادياً لإنسان مختار، ومجال الاختيار أنْ تُوجد بدائل يختار العقل منها؛ لأن العقل لا مهمة له في الأمر الواحد الذي ليس له بديل، فمثلاً: تقول أريد أنْ أسافر إلى الفيوم، فلا تجد إلا طريقاً واحداً، فلا عملَ للعقل والاختيار هنا، لكن تقول: أريد أنْ أسافر إلى الإسكندرية، فتجد طريقين: الزراعي وصفته كذا وكذا ومميزاته كذا وكذا، والصحراوي وصفته كذا ومميزاته كذا.
        والله تعالى خلق كونه كله مختاراً، إلا في الأمور القضائية القدرية، فقد جعلها الله قهريةً لا اختيارَ للإنسان فيها؛ لأن تدخُّلَه فيها يفسدها.
      ولا تظن أنك وحدك مختار في الكون، فكُلُّ ما حولك من السماء والأرض مختار أيضاً، إلا أن السماء والأرض والجبال اختاروا مرة واحدة، ثم سحبوا اختيارهم الكليّ على كل الجزئيات التي تأتي بعد، واقرأ في ذلك قوله تعالى: { { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } [الأحزاب: 72].
      فالجمادات اختارت من البداية أنْ تكون مقهورة لله عز وجل، وأبَتْ تحمُّل هذه الأمانة، أما الإنسان فتحملها وقال: أستطيع بعقلي أن أختار بين البدائل، وفاته أنه أدرك وقت التحمُّل، ولم يدرك وقت الأداء، وما يطرأ عليه من عوارض وشهوات ووسوسة شيطان .. إلخ؛ لذلك وصفه الحق سبحانه بأنه كان ظلوماً جهولاً، يعني: ظلُوماً لنفسه، جهولاً بالعواقب.
        والمنهج الذي وضعه الحق سبحانه منهج عام، وُضع للمؤمن وللكافر، فالله هدى ودلَّ الجميع إلى طريق الخير، وترك الجميع مختاراً، فمنهم مَن اختار شهوات نفسه في الدنيا، ورأى أنْ يتمتع بها، ويحدث ما يحدث بعد ذلك، ومنهم مَنْ تأمل هذا المنهج، فوجده من مُطاع بمعجزة، وهذه المعجزة خرقت نواميس الكون، فهو - إذن - منهج من عليم قادر وإله أعلى، اختار هذا المنهج لصلاح الخَلْق.
      والإنسان عموماً يحب الخير لنفسه، لكن يختلف الناس في فهمهم للخير؛ لذلك يقول سبحانه: { { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } [الإسراء: 11].
      ويقول سبحانه: { { سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } [الأنبياء: 37].
      وكأن الحق سبحانه يقول للإنسان: لا تعجل في دعائك، وارْضَ بما اختاره لك؛ لأن حكمك وفَهْمك للخير على قَدْر علمك بالخير، لكن أعلم منك به، وأعلم منك باستقبالك لهذا الخير وأثره فيك.
        لذلك قلنا: إننا نسمع كثيراً مَنْ يقول: أنا أصلي وأسير على منهج الله، ومع ذلك دعوتُ فلم يُسْتَجب لي، نقول: لأنك دعوتَ بالخير بفهمك أنت للخير، لكن ربك أعلم منك بالخير لك؛ لذلك لم يُجِبْ دعاءك.
      وكثيراً أيضاً ما نسمع أمَّا تدعو على ولدها الوحيد في ساعة غضب تقول: (إلهي أشرب نارك، إلهي يجيينى خبرك) بالله، لو أن الله أجاب دعاءها، ماذا كانت تقول في ربها؟ إذن: عدم إجابة الله لك فيما تدعو أحياناً هو عين الخير لك، لأنه يعلم حمق دعائك، وهو رب لا يرضى لك بآثار هذا الحمق؛ لذلك يُعدِّل لك ما أخطأتَ فيه.
        أمر آخر في هذه المسألة، فقد يكون الدعاء بخير حقيقي، لكن جاء هذا الدعاء من غير مضطر، إنما جاء كما نقول (بغددة)، والحق تبارك وتعالى وعد بإجابة المضطر إذا دعاه، فقال سبحانه: { { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ } [النمل: 62] فلو كنتَ مضطراً لأجابك؛ لأن المضطر استنفد كل الأسباب الموهوبة له من الله، وعجزَتْ قوته، فلجأ إلى الله المسبِّب سبحانه، وأغلبنا يدعو الله عن غير اضطرار.
        إذن: حين لا يُجاب دعاؤك، فاعلم أنه دعاء بشرٍّ تظنه أنت خيراً، والخير في ألاَّ يجيبك الله، أو أن دعاءك عن غير اضطرار.
        نعود إلى كلامنا عن المنهج الذي وضعه الله لهداية الناس جميعاً، ونقول: الذي آمن بهذا المنهج واهتدى به يعينه الله ويزيده هداية، كما قال سبحانه: { { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } [محمد: 17] والذي انصرف عنه وضلَّ كذلك يزيده الله من الضلال، ويختم على قلبه، بحيث لا يدخله إيمان، ولا يخرج منه كفر، ذلك لأنه تعالى رب يعين عبده على ما أحب، ويزيده مما يريد.
        إذن: طالما هناك اختيار في قبول المنهج فلا بُدَّ أن توجد هداية، ويوجد ضلال، الهداية تجلب الخير والثواب، والضلال يجلب الشر والعقاب، هنا الحق سبحانه يُوضِّح لنا أن الضلال يُنسب إلى النفس، أما الهداية فتُنسب إلى الله وإلى منهجه، وقد قال سبحانه في موضع آخر: { { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } [النساء: 79].
      وقال سبحانه قبلها: { { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } [النساء: 78] لماذا؟ لأنه سبحانه جعل الطريقين ودلَّ الجميع، فإنْ نظرتَ إلى الفعل فالله هو الذي أمدَّك، كما قال سبحانه: { { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً } [الإسراء: 20].
        فالله أعطاك مثلاً اللسان تنطق به كلمة التوحيد، أو تنطق به كلمة الكفر والعياذ بالله، فاللسان لم يَعْصِك، لا في هذه ولا في تلك، فمَنِ الذي أعطاك حرية الاختيار؟ الله، لذلك قلنا: لم يكفر كافر قهراً عن الله، أما عدم رضائه عنه، فهذا موضوع آخر.
      لذلك قلنا: الرجل الذي أعطى لابنه جنيهاً مثلاً - وهو قوة شرائية - وقال له: اذهب إلى السوق واشترِ به ما تريد، لكن يُرضينى أنْ تنفقه في شيء نافع، فالذي أعطاه القوة الشرائية أبوه، والذي ترك له الخيار أبوه، وهو قادر أنْ يحجر عليه ويسلبه هذه القوة، وهذا هو الاختيار.
        كذلك الحق - تبار ك وتعالى - يريد أن يذهب الإنسانُ إليه وهو مختار، وهو قادر ألاَّ يذهب، يريد أن يذهب العباد إليه عن حب، وعن رغبة، وعن إيمان، لا عن قهر وجبروت؛ لأنه سبحانه - كما سبق أنْ قُلْنا - يريد قلوباً تخشع، لا قوالب تخضع.
        فقوله تعالى: { قُلْ إِن ضَلَلْتُ } [سبأ: 50] يعني: أنا وأنتم سواء في هذه المسألة؛ لأن الضلال نتيجة للسيئات التي تقترفها النفس، فهي سبب الضلال { قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي } [سبأ: 50] أما الهداية فمن الله؛ لأنها بسبب منهج الله { وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي } [سبأ: 50].
      لكن النبي صلى الله عليه وسلم متفق وأمته في نسبة الضلال إلى النفس، لكن يختلف عنهم في الهداية { وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي } [سبأ: 50] فالهداية جاءته صلى الله عليه وسلم من الله مباشرة قبل أنْ يبعث له رسولاً بالرسالة، وقبل أنْ ينزل عليه وحتى السماء، أما هداية الأمة فبواسطة الرسول الذي يُبلِّغ منهج الله ويأتي بالمعجزة.
      فهداية رسول الله كانت بداية لما اختاره الله رسولاً على هذا الوضع من الهداية، ثم أنزل عليه المنهج لهداية الأمة.
        وقوله تعالى: { إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ } [سبأ: 50] سميع أي: يعرف مطلوبي، ويسمع مني كل نَفَس، وهو سبحانه مع سمعه قريب مني لا يبطىء عليّ في الإجابة؛ لأن الفعل من الله تعالى لا يحتاج إلى علاج ومزاولة، إنما الفعل من الله بكُنْ.
        التفاسير العظيم      
    • لما ذكر الباري نعمته على العباد بتيسير الركوب للأنعام والفلك قال: {لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون}؛ ذكر فيها أركان الشكر الثلاثة، وهي: - الاعتراف والتذكر لنعمة الله، - والتحدث بها، والثناء على الله بها، - والاستعانة بها على عبادته. [السعدي]   إن الإنسان محتاج دائما إلى منشطات الأمل وكوابح الغرور، فإن يأسه من النجاح يقوده إلى السقوط، واغتراره بما عنده يمنعه السبق؛ ولذا كان من سنن القرآن الجمع بين الوعد والوعيد، كما في قوله: {اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم} ليظل الإنسان دائما محكوما بمشاعر الخوف والرجاء   القرآن غيرني (48): جلست مرة مع شباب ممن انغمسوا في قراءات فكرية منحرفة، وسمعتهم يستشهدون لأفكارهم بمقولات الفيلسوف الفلاني والمفكر الفلاني ممن لم يشموا رائحة الوحي! -والابتسامة تعلو وجوههم!- فقلت لهم: هذه الأفكار موجودة في القرآن، ثم تلوت الآيات، فتمعرت وجوههم، فتذكرت عندها قوله تعالى: {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون}! فكانت هذه من عوامل هدايتي الفكرية   قال تعالى في سورة (الأعراف): {فاستعذ بالله إنه سميع عليم}؛ بينما قال في (فصلت): {فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم}، وقد التمس أهل العلم حكمة في التفريق بينهما، فتأمل ذلك، واعلم أسباب النزول له أثر في هذا التفريق. الجواب: قال ابن جماعة: لأن آية الأعراف نزلت قبل آية فصلت؛ فحسن التعريف؛ أي: {هو السميع العليم} الذي تقدم ذكره أولا عند نزوغ الشيطان. [الإتقان]   الاعتماد في الحماية والنصرة على المخلوقين؛ من أعظم أسباب الخذلان في أحرج الأوقات، تدبر: {وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، وقذف في قلوبهم الرعب}. [أ.د.ناصر العمر].   {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها قلوبهم واحدة، موالية لله ولرسوله ولعباده المؤمنين، معادية لأعداء الله ورسوله وأعداء عباده المؤمنين، وقلوبهم الصادقة، وأدعيتهم الصالحة، هي العسكر الذي لا يغلب والجند الذي لا يخذل، فإنهم هم الطائفة المنصورة إلى يوم القيامة. [ابن تيمية].   القرآن غيرني (49): كنت كغيري أقرأ القرآن بسرعة وهذرمة، وكان همي آخر السورة! وكنت أقرأ في الساعة الواحدة ثلاثة أجزاء، فلما استمعت إلى كلمات أحد مشايخي عن التدبر، وأثره في صلاح القلب، بدأت أدرب نفسي على ذلك، فصرت -والله الشاهد- لا أجد لذة للقراءة إلا بالتدبر، حتى إني قد أبقى في الجزء الواحد نحو ثلاث ساعات، فأدركت شيئا من معاني: {ليدبروا آياته}.   " ومن لم يكن له علم وفهم وتقوى وتدبر؛ لم يدرك من لذة القرآن شيئا ". [الزركشي]   {فاصبر إن وعد الله حق} جاء الحديث عن صدق وعد الله بعد الصبر؛ لأنه " مما يعين على الصبر، فإن العبد إذا علم أن عمله غير ضائع بل سيجده كاملا؛ هان عليه ما يلقاه من المكاره، ويسر عليه كل عسير، واستقل من عمله كل كثير ". [ابن سعدي].   قال الهدهد لسليمان -عليه السلام- متحدثا عن ملكة سبأ: {إني وجدت امرأة تملكهم} ولم يقل: (...ملكة تملكهم) مع أنها ملكة حقا!! ولكن كأن الهدهد قد استقبح من رجال أن يملّكوا أمرهم امرأة؛ فجاء باللفظ الذي يقبح ذلك، ويضع المرأة من الحياة موضعها الذي تقتضيه فطرة الخلق. [علي جاسم محمد].   القرآن غيرني (50): أنا طالب علم، وذات مرة توقفت عند قوله تعالى: {أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون...} الآية، فبكيت كثيرا على ضياع ليال كثيرة في هذه الليالي الشاتية الطويلة، وأنا لم أشرف نفسي بالانتصاب قائما لربي ولو لدقائق، فكان هذا البكاء مفتاحا لبداية أرجو أن لا تتوقف حتى ألقى ربي.   سُئل بعضُ العلماءِ -ممن عُرف باستخراجِ أمثلةِ العربِ من القرآنِ-: هل تجدُ في كتابِ الله " من جهل شيئًا عاداه " ؟ قال نعم! في موضعين: الأول: { بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ}. الثاني: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ}   من المهم أن يدركَ خصمُك في قرارةِ نفسِه أنك صادقٌ في دعوتك، ثابتٌ على منهجك، ولو خالفك وآذاك ورماك بأبشعِ التُّهم، تدبَّرْ هذه الآيات: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ}، {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}، {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ}. [أ.د.ناصر العمر].   الباطلُ مهما انتفشَ فهو مستدرج: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ}. [محمد الراوي].   {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} استدل العلماء بهذه الآية على أنه لو دخلت محبة الرسول ومحبة سنته في قلب عبد فإن الله لا يعذب هذا القلب، لا في الدنيا ولا في الآخرة؛ فإذا كان مجرد وجود حب الرسول في القلب مانعا من تعذيبه، فما بالك بوجود محبة الله سبحانه في ذلك القلب! [ابن القيم].   الظلم ظلمات، ولابد أن يلقى الظالم جزاءه وإن طالت حبال الأيام، وتأمل كيف أن إخوة يوسف لما امتدت أيديهم بالظلم لأخيهم {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} امتدت أكفهم بين يديه بالطلب، يقولون: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ... وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا}. [ابن الجوزي].   قال مقاتل: صديق موافق خير من ولد مخالف، ألم تسمع قول الله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}؟  
    • اختلاف وصف القوم في آيتَي: (فلا تأسَ على القوم)   لماذا قال تعالى في سورة المائدة: ﴿فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: 26]. وقال في السورة نفسها: ﴿فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: 68]. الجواب: إنَّ الآية الأولى قالها ربنا جل وعلا في قوم موسى عليه السلام الذين نكلوا عن قتال الجبَّارين، وقالوا: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: 24-26]. وقوم موسى عليه السلام ليسوا كافرين، وإنما هم فاسقون لمخالفة أمر الله تعالى في القتال، ثم إن هذا الوصف مجانس لما وصفهم به موسى عليه السلام بقوله: ﴿فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: 25]، فقال له ربه: ﴿فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: 26]. وأما الآية الثانية فهي خطاب لرسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم بخصوص أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا به، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: 68]. وهؤلاء كافرون فإنهم لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قال الله تعالى في هذه الآية: ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾ [المائدة: 64]، فذكر أنه يزيدهم ما أُنزل إليه طغياناً وكفراً، فقال فيهم: ﴿فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: 26].       تعدية الفعل: تقبَّل تارة بـ (من) وأخرى بـ (عن) قال تعالى في سورة المائدة: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: 27]. وقال سبحانه في سورة الأحقاف: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ﴾ [الأحقاف: 16]. سؤال: عدّى الفعل (تقبَّل) في آية المائدة بـ (من) فقال: ﴿فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ....قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾، وعدّى الفعل في آية الأحقاف بـ (عن) فقال: ﴿نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ﴾ [الأحقاف: 16]، فما السبب؟ الجواب: إنَّ تعدية الفعل (تقبَّل) بـ (من) تدل على الاهتمام أو العناية بالذات أو الجهة التي يُتقبَّل منها. وتعديته بـ (عن) تدل على الاهتمام والعناية بتقبل العمل الصادر عنها، فإذا كانت العناية والاهتمام بالذات أو الجهة التي يتقبل منها عدّاه بـ (من) وذلك نحو قوله: ﴿فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ﴾ [المائدة: 27]، وقوله: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: 127]، وقوله: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي﴾ [آل عمران: 35]. أما إذا كان محطَّ العناية والاهتمام على العمل وقبوله فإنه يعدِّيه بـ (عن) وذلك نحو قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ﴾ أي: نتقبل العمل الصادر عنهم. وحيث عدّي الفعل (تقبل) بـ (من) لم يذكر له مفعولاً أو هو يبنيه للمجهول مما يدل على الاهتمام بالذات أو الجهة التي يتقبل منها. فإذا عدّاه بـ (عن)  ذكر العمل كما في الآية المذكورة وهي الآية الوحيدة في القرآن الكريم. فدلّ على أن مناط الاهتمام بالعمل مع تعدية الفعل بـ (عن)، ومناط الاهتمام بالذات أو الجهة مع تعديته بـ (من)، والله أعلم.     حول التعقيب في آيتَي: {وإن يمسسك الله بضر} قال تعالى في سورة الأنعام: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأنعام: 17]. وقال سبحانه في سورة يونس: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾ [يونس: 107]. سؤال: لماذا اختلف التعقيب في الآيتين فقال في آية الأنعام: ﴿فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، وقال في آية سورة يونس: ﴿فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾؟. الجواب: إنَّ آية الأنعام في افتراض مسِّ الخير، فقد قال: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ﴾، وأما آية سورة يونس فهي في افتراض إرادة الخير وليس المسّ، فقد قال: ﴿وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ﴾ [يونس: 107]، والإرادة من غير الله تعالى قد لا تتحقق لأنَّه قد يحول بينها وبين وقوعها حائل، وأما إرادته سبحانه فلا رادّ لها. فاختلف التعقيبان بحسب ما يقتضيه المقام.   ألا ترى أنه لما اتفق الافتراضان في مس الضر اتفق الجوابان، فقد قال في كل منهما: ﴿فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ﴾؟ ولما اختلف الافتراضان كان الجواب بحسب ما يقتضيه كل افتراض.  
  • أكثر العضوات تفاعلاً

  • آخر تحديثات الحالة المزاجية

    • samra120 تشعر الآن ب غير مهتمة
  • إحصائيات الأقسام

    • إجمالي الموضوعات
      181893
    • إجمالي المشاركات
      2535105
  • إحصائيات العضوات

    • العضوات
      93119
    • أقصى تواجد
      6236

    أحدث العضوات
    شرين حاتم
    تاريخ الانضمام

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×